Media

http://ثقافة / فنون  تشكيل رنا حتمل.. طيور سوريا المهاجرة   قصّة لا نعرف نهايتها محمد شرف 13-05-2016 01:22 AM  نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2016-05-13 على الصفحة رقم 8 – ثقافة  لم يعُد هناك من شك في أن الأزمة السورية، وما يتصل بها من تعقيدات جمّة، صارت موضوع الساعة في أكثر من مرفق، وعلى أكثر من صعيد. كان من الطبيعي، بل من الضروري، أن تترك أثراً بالغاً على الفن التشكيلي السوري وهمومه، شأنه شأن أنواع الفنون الأخرى، الباحثة عن مساحة شعورية تنعكس عليها هموم الفنان ورؤاه المتعلقة بالحالة المذكورة. هذا الواقع كنّا شهدناه خلال الآونة الأخيرة لدى فنانين سوريين عديدين، عرضوا نتاجهم في الصالات البيروتية، وهذا ما نشهده في أعمال الفنانة رنا حتمل الـ32، المعروضة لدى غاليري «إيريغولييه». وإذا كانت أعمال الفنانين السوريين، التي رأيناها سابقاً، لم يتطرّق معظمها إلى الأزمة وانعكاساتها في شكل مباشر، بمعنى تجنّب الوقوع في فخ تصوير المأساة، وما يدور في فلكها، من عنف ومجازر بطريقة فجة وجارحة، فإن أعمال رنا حتمل لا تقع، هي أيضاً، في الفخّ نفسه. هي عمدت إلى تصوير حالات إنسانية متحدرة من الوضع القائم من خلال الرمز والتورية. العصافير، أو الطيور، التي يكاد لا يخلو منها كلّ عمل من الأعمال المعروضة، يتضمّن حضورها إشارات مبطّنة إلى موضوع الهجرة التي تسبّب بها الوضع المذكور، والذي يقع في صلب المعرض الذي نحن في صدده. أعداد الخليقة التي اضطُرّت إلى مغادرة الأرض السورية لم يسبق لها مثيل، تذكّر بالهجرات الكبرى التي حدثت على مرّ التاريخ، هرباً من العنف والقمع وقسوة الظروف المعيشية على أناس لم ينخرطوا في الدوّامة القاتلة، ولم يقعوا، في حالة سوريا، في شرك الانحياز إلى جهات لا يجمعهم معها سوى الانتساب اللاإرادي إلى مذهب أو فريق ديني. على أن الطيور المهاجرة، كما هو معروف، تدرك سبيلها المتوارث غريزياً جيلاً بعد جيل، وتعرف الجهات التي تقصدها، وما ينتظرها هناك من مناخ يتناسب مع تكوينها البيولوجي وحاجاتها، في حين أن إدراك حيثيات الأمكنة المقصودة لا ينسحب تماماً على المهاجرين الذاهبين نحو المجهول، على الرغم ممّا سمعوه عن بلاد يعمّ فيها السلم والاستقرار اللذين يشكّلان الهدف «الأسمى» للهاربين من الجحيم. صوّرت رنا حتمل، في لوحاتها، المهاجرين من خلال حركات أرجلهم، ولم تُظهِر في تصويرها هذا سوى الأرجل المقطوعة، في العمل، من فوق الركبة. لم تعمد إلى تمثيل قامات المهاجرين كاملة، أو وجوههم، فهي قامات متشابهة إلى أي جنس أو عمر أو فئة تنتمي، طالما أنها قامات إنسانية يتشابه أصحابها في مشاعرهم وهواجسهم وأوضاعهم. وحين تجتمع، في العمل الواحد، حركات الأقدام البشرية مع حركات أجنحة الطيور، فهو اجتماع غير متجانس بين أجنحة تلبّي حاجة الطير الأساسية ولا تخونها، بعدما وجدت لأجل هذه الوظيفة التي تمكّن الطائر من اجتياز مسافات شاسعة، وبين الأرجل الإنسانية التي تبقى قدراتها محدودة، بحسب طبيعة كل كائن وقوّته. عليه، يمكننا أن نلحظ التعاكس اللوني الواضح في الأعمال الجامعة بين الكائنين: الإنسان والطائر، وإن كان هذا التناقض حاضراً في الأعمال الأخرى أيضاً، التي صوّرت كل عنصر على حدة، وبقوة تشي بالزخم التعبيري الذي يشكّل أحد مرامي الفنانة المركزية. ثمة حضور واضح للأسود والرمادي، في تناقض مع الأحمر. يستند هذا التناقض، من حيث الأساس، إلى حضور الرسم في العمل من دون اللجوء إلى تحوير فاقع، كما تكون الحال، عادة، في الأعمال التعبيرية الملتحقة بالتيارات والمدارس الألمانية، في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين، اللتين أوحتا لجماعات التعبيريين بموضوعات لا تختلف كثيراً عن الموضوعات التي استلهمتها رنا حتمل من الحرب السورية. هذا، مع الأخذ في الاعتبار الطبيعة المختلفة والتفاصيل القائمة بين الظرفين التاريخيين. لكن الحرب تبقى، في النهاية، حدثاً لا يُورث سوى الخراب والدمار، ويدفع السكان الآمنين إلى السعي بحثاً عن سبل أخرى لمواصلة حياتهم، مع ما يحمله هذا السعي من مغامرة ومخاطر اعتادتها الطيور ولم يألفها البشر، كانت مثّلتها رنا حتمل برمزية وتراتبية واتساق، كأنها تروي قصة متسلسلة لا نعرف نهايتها.